النزوح القسري وتفكيك التوزيع السكاني: التحولات الديمغرافية في غزة خلال الحرب

مقدمة

منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، يشهد قطاع غزة حربًا مستمرة تُعد من بين أكثر الحروب تدميرًا في تاريخه، وقد اتسمت هذه الحرب باستهداف ممنهج للمناطق السكنية والمرافق الحيوية، ما أدى إلى نزوح جماعي غير مسبوق ومأساة إنسانية كبيرة، ووفقًا لبيانات الأمم المتحدة، فإن نحو 90% من سكان القطاع اضطروا إلى النزوح من مناطقهم، معظمهم من شمال ووسط غزة إلى الجنوب، خاصة إلى مدينتي خان يونس ورفح ودير البلح، وقد شهدت تقارير منظمات حقوق الإنسان ومكاتب الأمم المتحدة مثل مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) توثيقًا لقصف مستمر طال مستشفيات ومدارس وشبكات المياه والكهرباء، ما زاد من تعقيد الأزمة الإنسانية وعمق من هشاشة السكان.
كان قطاع غزة قبل اندلاع الحرب موطنًا لما يقارب 2.3 مليون فلسطيني يقطنون مساحة لا تتجاوز 365 كم²، ما جعله من أكثر مناطق العالم اكتظاظًا بالسكان، غير أن مجريات الحرب لم تكن مجرد حملة عسكرية تقليدية، بل رافقتها مؤشرات واضحة على وجود مساعٍ استراتيجية لإعادة تشكيل الخريطة الديمغرافية للقطاع، من خلال سياسات ممنهجة للتدمير والتهجير. وقد تسبب النزوح القسري في تفاقم أزمات حادة في الخدمات الأساسية، منها نقص المياه والكهرباء، وانهيار الخدمات الصحية والتعليمية، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، ما يعكس تحديات اجتماعية وإنسانية ضخمة تواجه السكان.
تأتي هذه التحولات الديمغرافية في سياق سياسي وأمني إقليمي ودولي معقد، حيث تلعب الصراعات الإقليمية والدعم الدولي المتفاوت أدوارًا في صياغة مسارات الصراع، مما يجعل إعادة هندسة الواقع السكاني في غزة جزءًا من حسابات سياسية وأمنية أوسع تتجاوز حدود القطاع وحده.
ورغم كل هذه التحديات والمآسي، يبذل السكان الفلسطينيون جهودًا كبيرة للمقاومة والتكيف على المستويات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، مؤكدين أن محاولات التهجير وإعادة التوزيع السكاني لا تسير دون مقاومة وصراع على الأرض.
ورغم استمرار الحرب، فقد شهد القطاع هدنتين رئيسيتين: الأولى استمرت أربعة أيام ابتداءً من 24 نوفمبر 2023 وتم تمديدها ليومين إضافيين؛ أما الثانية فقد بدأت في 19 يناير 2025 واستمرت نحو شهرين، عاد خلالها عدد كبير من النازحين إلى شمال القطاع، لا سيما مدينة غزة، وحتى بعد استئناف الحرب في 18 مارس 2025، ورغم إغلاق شارع صلاح الدين، بقي شارع الرشيد الساحلي مفتوحًا جزئيًا، مما أتاح حركة محدودة للسكان بين الشمال والجنوب.
تتناول هذه الورقة التحولات الديمغرافية الجارية في قطاع غزة في ظل الحرب، مع التركيز على النزوح القسري، والتدمير المكثف، وإعادة تنظيم الفضاء الجغرافي للسكان، ضمن سياق سياسي وأمني يُنذر بإعادة هندسة التركيبة السكانية القائمة.

التهجير الجماعي بالأرقام

تشير التقديرات إلى أن نحو 1.9 مليون فلسطيني نزحوا داخليًا خلال مراحل الحرب، وهي نسبة تمثل أكثر من 90% من سكان القطاع، وفق بيانات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) ، وقد تركزت موجات النزوح من شمال القطاع، خصوصًا مدن غزة، بيت حانون، وجباليا، إلى جنوبه، حيث ضُغطت الكثافة السكانية في مناطق محدودة مثل رفح وخان يونس، التي باتت تضم ما يزيد عن مليون شخص في مساحة تقل عن 100 كم²، وفق تقديرات برنامج الغذاء العالمي (WFP).
ويُعد هذا النزوح أكبر عملية تهجير جماعي تشهدها غزة منذ نكبة عام 1948، ليس فقط من حيث عدد النازحين، بل من حيث تكرار موجات النزوح، حيث اضطر كثير من السكان للنزوح أكثر من مرة بسبب تغيّر مواقع العمليات العسكرية وتوسعها، مما أدى إلى تشتيت آلاف العائلات، وتوزيع أفرادها على مراكز إيواء ومناطق متفرقة.
وقد كشفت تقارير وكالة الأونروا أن مراكز الإيواء في الجنوب تجاوزت قدرتها الاستيعابية بنسبة 250%، بينما أُجبرت أعداد كبيرة من النازحين على الإقامة في الشوارع والمنازل المدمّرة جزئيًا دون أي حماية أو خدمات.
مع ذلك، شهد القطاع حالات عودة تدريجية إلى بعض مناطق الشمال، خاصة خلال فترة الهدنة في يناير 2025، ما يعكس تمسّك السكان بحقهم في العودة إلى منازلهم رغم غياب الضمانات الأمنية واستمرار التهديدات، وتشير تقديرات مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية إلى أن ما لا يقل عن 150,000 شخص عادوا مؤقتًا إلى محافظة شمال غزة ومدينة غزة خلال تلك الفترة، قبل أن يغادر جزء كبير منهم مجددًا بعد استئناف الحرب.
كما أن شارع الرشيد الساحلي بقي منفذًا حيويًا نسبيًا للحركة بين الشمال والجنوب حتى مع استمرار الحرب، حيث استخدمه السكان للوصول إلى أقاربهم أو جلب المساعدات والاحتياجات الأساسية، مما ساعد جزئيًا في الحفاظ على تواصل جغرافي وإنساني محدود بين طرفَي القطاع، رغم إغلاق شارع صلاح الدين وتحول معظمه إلى منطقة عمليات عسكرية.

التدمير الممنهج وإعادة هندسة المكان

أظهرت بيانات الأقمار الصناعية والصور الجوية التي نشرتها الأمم المتحدة وبرامج الرصد الدولية مثل UNOSAT وCopernicus، أن مناطق بأكملها في شمال غزة، وعلى رأسها بيت حانون، جباليا، والشجاعية، قد تعرّضت لتدمير شبه كامل، وقد وثّقت صور تحليلية نُشرت في يناير ومايو 2025 دمار أكثر من 70% من المباني في هذه المناطق، مع تسوية أحياء كاملة بالأرض، بما فيها منشآت تعليمية وطبية ومراكز إيواء.
الطابع المنهجي لهذا التدمير لا يمكن تفسيره كأثر جانبي للمعارك، بل يُظهر نمطًا دقيقًا من الاستهداف المتكرّر لمناطق عالية الكثافة السكانية، وتاريخية الانتماء الوطني، ما يعزز فرضية وجود نية مبيتة لمسح هذه البيئات ديمغرافيًا ورمزيًا، وبرزت أنماط قصف مركّز على مخيمات اللاجئين، مثل مخيم جباليا، الذي يُعد رمزًا وطنيًا وتاريخيًا، واستُهدف مرارًا ما بين نوفمبر 2023 ومارس 2025.
ولم يكن التدمير مقتصرًا على المباني السكنية فقط، بل شمل البنية التحتية المدنية والخدمية، بما في ذلك شبكات المياه والكهرباء، والطرق الرئيسية، ما جعل من العودة إلى هذه المناطق شبه مستحيلة في المدى القريب، وقد أشار تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش إلى أن هذا النمط من التدمير الواسع النطاق والموجّه، قد يرقى إلى مستوى “عقاب جماعي” وجريمة استهداف للبنية المدنية.
وامتد هذا النمط جنوبًا ليشمل أحياء في خان يونس ورفح بعد توسع العمليات العسكرية، خاصة خلال شهري أبريل ومايو 2025، وقد استُخدمت نفس آليات التدمير المكثف: تجريف أحياء بكاملها، وتحويل مناطق سكنية إلى أراضٍ جرداء، مع تكرار استهداف المؤسسات التعليمية والدينية، بما يعزز فرضية إعادة تنظيم النسيج المكاني لغزة على أساس أمني بحت، وفق منطق الفصل والسيطرة والرقابة المستدامة على التجمعات السكانية

مؤشرات على مشروع تهجير مستدام في غزة

تشير المعطيات الميدانية والوثائق الرسمية إلى أن العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة ليست مجرّد ردود فعل عسكرية مؤقتة، بل تحمل في طياتها مؤشرات واضحة على وجود خطة ممنهجة للتهجير طويل الأمد، تهدف إلى إعادة تشكيل الخريطة السكانية للقطاع بصورة تجعل العودة إلى الوضع السابق أمراً شبه مستحيل، ويمكن تلخيص هذه المؤشرات في المحاور التالية:
• تدمير شامل وممنهج لمناطق سكنية محددة: تشير تقارير الأمم المتحدة وبيانات الأقمار الصناعية التي نشرتها وكالات دولية مثل مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) إلى تدمير شبه كامل لمناطق في شمال غزة مثل بيت حانون وجباليا وفي جنوب القطاع رفح وخان يونس، حيث تحولت تلك المناطق إلى ما يشبه أراضٍ منكوبة بلا بنى تحتية ولا مأوى صالح للسكان، وهو ما أكدته عدة دراسات ميدانية وتقارير حقوقية دولية كهيئة “هيومن رايتس ووتش” ومنظمة “العفو الدولية”، التي وصفت عمليات التدمير بأنها قد ترقى إلى مستوى “التطهير العرقي” بسبب استهدافها المتعمد للمواطنين العزل وأماكن سكنهم.
• منع العودة إلى المناطق الأصلية: تؤكد المصادر الميدانية استمرار القصف الإسرائيلي المتقطع على مناطق خُرِّبت، إضافة إلى فرض قيود أمنية مشددة، وتحويل مساحات واسعة إلى “مناطق عسكرية مغلقة” تمنع السكان من العودة إليها، كما أشارت تقارير أمنية إلى إقامة نقاط تفتيش عسكرية متعددة على خطوط التماس، وفرض قيود لوجستية على إدخال مواد البناء والإعمار، مما يعوق إعادة إعمار المساكن والبنية التحتية.
• تكثيف الضغط السكاني على مناطق محدودة: تتركز غالبية اللاجئين والنازحين داخلياً في مناطق مثل خان يونس ورفح، حيث يعيش نحو مليوني فلسطيني على أقل من 100 كم²، وفق إحصاءات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، هذا الاكتظاظ السكاني الهائل يؤدي إلى تفاقم الأزمات الإنسانية، من نقص في المياه والكهرباء إلى ارتفاع معدلات الأمراض والبطالة، ما يشكل تهديداً مباشراً للاستقرار الصحي والاجتماعي ويزيد من هشاشة القطاع.
• تسريبات وتصريحات رسمية وغير رسمية عن نوايا إسرائيلية: كشفت تقارير إعلامية وتحليلية، منها تقارير القناة العاشرة الإسرائيلية وتقارير محلية فلسطينية، عن خطط إسرائيلية لتقسيم قطاع غزة إلى “مناطق أمنية” أو مربعات خاضعة للرقابة الأمنية المشددة، كجزء من استراتيجية تهدف إلى “خفض الكثافة السكانية” ومنع عودة ما تُسمى بـ”الخطر الديموغرافي”، في محاولة لإعادة هندسة التوزيع السكاني وفق رؤية أمنية إسرائيلية.
إن هذه المؤشرات المتضافرة تدعم الفرضية القائلة بأن التهجير في غزة ليس نزوحاً مؤقتاً بفعل العمليات العسكرية، وإنما جزء من مشروع إسرائيلي طويل المدى لإعادة توزيع الفلسطينيين بشكل يخدم الأهداف الاستراتيجية الأمنية والسياسية للكيان الإسرائيلي، ويحول دون عودة الحياة الطبيعية أو إقامة دولة فلسطينية متصلة داخل القطاع.

الربط بين النزوح وإعادة تنظيم قطاع غزة

تشكل موجات النزوح القسري التي شهدها قطاع غزة في أعقاب التصعيد العسكري الإسرائيلي أكثر من مجرد كارثة إنسانية فادحة؛ فهي تمثل في الوقت ذاته أداة استراتيجية ضمن رؤية سياسية وأمنية تهدف إلى إعادة تنظيم القطاع بشكل جذري، فالضغط المتعمد على السكان لإجبارهم على الانتقال الجماعي من مناطق الشمال، خصوصًا في محافظات مثل بيت حانون وجباليا، نحو الجنوب المكتظ كخان يونس ورفح، يعكس خطة تهدف إلى تكديس السكان في مساحات ضيقة، مما يمهد لتقسيم القطاع إلى مربعات أمنية محكمة، أو “جيوب محاصرة” تحت مراقبة أمنية مستمرة، كما أشارت تقارير وتحليلات ميدانية صادرة عن مراكز بحثية فلسطينية ودولية.
تشير تحليلات أمنية وسياسية إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يسعى إلى فرض واقع جغرافي جديد، يتمثل في تراجع مركزية مدينة غزة، التي كانت تمثل القلب الإداري والاقتصادي والثقافي للقطاع، مقابل تعزيز التواجد السكاني المكثف في الجنوب، مع تغيير في طبيعة الوظائف الاقتصادية والاجتماعية، ويحمل هذا التحول تبعات استراتيجية بالغة، إذ يكرّس تفتيت النسيج العمراني والاجتماعي التقليدي للقطاع، ويخلق واقعًا جديدًا يسهل السيطرة عليه، ويقلل من المخاطر الأمنية التي قد تشكلها مراكز حضرية مترابطة وكبيرة.
كما أن الاستهداف المتكرر للبنية التحتية الإدارية والمؤسساتية الحيوية في الشمال — من وزارات حكومية، ومؤسسات تعليمية كالجامعات، ومستشفيات رئيسية — يترجم عمليًا إلى سياسة “إفراغ المركز” وتفكيك البنية المدنية، ويعطل هذا الاستهداف قدرة السكان على العودة إلى حياتهم الطبيعية أو إعادة تنظيم مؤسساتهم، كما وثقت ذلك تقارير حقوق الإنسان ووكالات الأمم المتحدة في تقاريرها الأخيرة حول غزة.
كل هذه المعطيات توضح أن النزوح لا يُعتبر حركة مؤقتة أو ظرفية، بل هو تحوّل مكاني مدروس وممنهج، يهدف إلى إعادة تشكيل جغرافية قطاع غزة وتحويله إلى فضاء مضغوط تحت سيطرة مشددة، بما يخدم أجندة الاحتلال السياسية والأمنية على المدى البعيد.

الإطار القانوني والسياسي: التهجير القسري كجريمة دولية

وفقًا للقانون الدولي الإنساني، وتحديدًا اتفاقيات جنيف الرابعة لعام 1949، يُعد نقل السكان المدنيين قسرًا، سواء داخل الأراضي المحتلة أو خارجها، جريمة حرب واضحة وصريحة. وتنص المادة 49 من هذه الاتفاقية على الحظر الكامل للنقل القسري الجماعي أو الفردي للسكان المدنيين، مع استثناء وحيد يتمثل في حالات تهديد سلامة السكان بشكل مباشر وفوري، ولمدة زمنية مؤقتة فقط، مع ضمان عودتهم الفورية إلى مساكنهم.
في حالة قطاع غزة، فإن ما حدث منذ أكتوبر 2023 تجاوز بكثير حدود الضرورات العسكرية أو الإخلاء المؤقت، إذ تحول إلى نمط من التهجير الجماعي المنهجي والمنظم، المرتبط بأهداف استراتيجية وأمنية تتجاوز المبررات الإنسانية، ويُصنف هذا الفعل، وفقًا لـ نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، على أنه جريمة ضد الإنسانية إذا تم ارتكابه كجزء من سياسة منهجية وممنهجة، كما هو الحال في نقل السكان قسرًا أو تهجيرهم.
وقد عبرت جهات دولية عدة، من بينها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، عن قلقها العميق إزاء محاولات التغيير القسري في البنية السكانية لقطاع غزة، كما صرحت المفوضة السامية لحقوق الإنسان، ميشيل باشيليت، أن الحق في العودة الآمنة والطوعية للسكان إلى مناطقهم الأصلية هو حق أساسي مكفول بموجب القانون الدولي، ولا يجوز التنازل عنه أو تقويضه، مشددة على ضرورة احترام هذا الحق في جميع الظروف.
وتفاقمت المخاوف الدولية عقب تصريحات وتصريحات إسرائيلية رسمية تحدثت عن “خفض الكثافة السكانية” في غزة، أو حتى “ترحيل السكان إلى دول مجاورة”، وهو ما يشير إلى نية واضحة لإحداث تغيير ديموغرافي دائم في القطاع، ويمثل هذا السلوك انتهاكًا صارخًا للمبادئ الأساسية للقانون الدولي، ويدعو المجتمع الدولي إلى اتخاذ إجراءات عاجلة للتحقيق والمحاسبة.

الخلاصة

تشير المعطيات الميدانية والتحليلات السياسية الدقيقة إلى أن ما يجري في قطاع غزة يتجاوز بكثير كونه رد فعل عسكري طارئ أو مواجهة أمنية مؤقتة، ليأخذ شكل عملية ممنهجة ومنظمة تهدف إلى إعادة تشكيل الواقع الديموغرافي والاجتماعي والاقتصادي للقطاع بشكل جذري. فالنزوح القسري، والتدمير الممنهج للبنية التحتية والمساكن، إلى جانب فرض القيود على العودة، ليست سوى أدوات استراتيجية ضمن مخطط أوسع لإعادة هندسة الحيز الجغرافي للسكان، بما يحول دون إمكانية استعادة الحياة الطبيعية أو بناء مستقبل فلسطيني مستقل داخل غزة.
تكمن خطورة هذا التحول في أنه لا يستهدف فقط تفكيك البنية السكانية الحالية، بل يسعى إلى إعادة صياغة مستقبل القطاع سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، بما ينسجم مع الرؤى الأمنية والسياسية للاحتلال، وقد أظهرت هذه الورقة من خلال تحليلها الشامل أن النزوح واسع النطاق، والتدمير الموجّه، إلى جانب التصريحات الرسمية الإسرائيلية التي تعبر عن نوايا واضحة لخفض الكثافة السكانية وإحداث تغييرات ديمغرافية مستدامة، تشكل دليلاً قاطعاً على وجود توجه إسرائيلي ممنهج لإحداث تغيير دائم في التركيبة السكانية لقطاع غزة.
إن هذا التوجه لا يمكن فصله عن السياقات السياسية الإقليمية والدولية الأوسع، والتي تسعى إلى تفكيك المشروع الوطني الفلسطيني، وإعادة ترتيب الأرض والسكان بما يخدم مصالح الاحتلال ويعزز سيطرته، وهو ما يضع المجتمع الدولي أمام مسؤولية عاجلة لاتخاذ موقف واضح وحاسم لوقف هذه الانتهاكات وضمان احترام حقوق الشعب الفلسطيني في أرضه ووطنه.

التوصيات

  1. الضغط على المؤسسات الدولية لمطالبة حكومة الاحتلال بالكف عن ممارسات التهجير القسري، وفتح تحقيقات في الجرائم المرتكبة بحق السكان المواطنين الفلسطينيين.
  2. إعادة حصر سكاني شامل في غزة بعد انتهاء العدوان، لرصد التغيرات الديمغرافية وتوثيق الخسائر.
  3. رفض أية مشاريع دولية أو إقليمية تعترف بالأمر الواقع الناتج عن التهجير أو تحاول شرعنته بحجة الإعمار أو الاستقرار.
  4. تعزيز الرواية الفلسطينية الحقوقية التي تؤطر ما يجري في غزة ضمن جرائم التهجير والتطهير المكاني، وتفعيل أدوات القانون الدولي لمحاسبة المسؤولين.
  5. تفعيل الحملات الإعلامية والحقوقية لتوثيق التهجير القسري وآثاره، وربطه بمفاهيم التطهير العرقي وإعادة الهندسة السكانية.
  6. المطالبة بضمانات دولية لحق العودة ليس فقط للاجئين خارج فلسطين، بل أيضًا للنازحين داخل القطاع إلى مناطقهم الأصلية.

شارك:

المزيد من المقالات

“المقاطعة الاقتصادية للكيان الإسرائيلي في حرب غزة: أداة نضالية لتقويض الاحتلال ودعم القضية

تسلط هذه الورقة الضوء على المقاطعة الاقتصادية للكيان الإسرائيلي كأداة نضالية وأحد أبرز أدوات المقاومة الشعبية التي اكتسبت زخماً عالمياً غير مسبوق في ظل حرب الإبادة الجماعية المستمرة على قطاع غزة.