مقدمة
منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، يتعرض أطفال غزة لحرب إبادة ممنهجة، لم تستثنِ صغيرًا ولا كبيرًا، حيث أُخرجت الطفولة من نطاق الحماية الإنسانية لتصبح في قلب أهداف القصف والتجويع والاقتلاع من الجذور. كشفت الشهور الماضية عن حجم غير مسبوق من الانتهاكات الجسيمة بحق الأطفال، سواء عبر القتل المباشر أو التهجير، أو حرمانهم من التعليم والرعاية الصحية، أو تركهم يواجهون أهوال التشرد والخوف دون سند.
تسعى هذه الورقة إلى توثيق الأثر المركب والعميق للحرب على الأطفال في قطاع غزة، من خلال استعراض دقيق للأرقام والإحصائيات، وتحليل الأبعاد النفسية والاجتماعية والإنسانية التي خلفتها هذه الحرب، اعتمادًا على مصادر محلية ودولية موثوقة، كما تسلط الضوء على الفجوة المتفاقمة بين حجم الكارثة الطفولية في غزة وبين عجز “المجتمع الدولي” عن التدخل الفعّال لحماية هذا الجيل المهدد بالضياع.
1. عدد الضحايا من الأطفال
- وفق وزارة الصحة في غزة حتى 22 مارس 2025، بلغ عدد الأطفال الشهداء 15,613 طفلًا، يشكّلون حوالي 31% من إجمالي الضحايا.
- تجاوز عدد الشهداء الأطفال حاجز 17,000 طفل وفق تقديرات أممية حتى يونيو 2025.
- أُصيب نحو 33,900 طفل، يمثلون حوالي 30% من مجمل الإصابات.
- يُقدّر عدد الأطفال المفقودين بـ 4,000، يُرجّح أن العديد منهم لا يزالون تحت الأنقاض.
2. التوزيع العمري والجغرافي للضحايا
- من بين الشهداء الأطفال حتى مارس 2025:
- المراهقون (<18 سنة): 5,743 طفلًا (37%)
- دون 12 عامًا: 7,308 أطفال (47%)
- دون 3 سنوات: 1,686 طفلًا (11%)
- رضّع (<1 سنة): 876 طفلًا (16%)
- أكثر المناطق تضررًا: مدينة غزة، خان يونس، جباليا.
3. آثار الحرب النفسية على الأطفال
تشير الدراسات إلى تفشي اضطرابات نفسية خطيرة بين الأطفال:
- وفق دراسة لـ War Child Alliance على 500 طفل:
- 96% يشعرون بأن الموت وشيك.
- 92% لا يتقبلون الواقع الحالي.
- 87% يعانون من خوف شديد.
- 79% ينامون بكوابيس.
- 73% يظهرون سلوكًا عدوانيًا.
- 49% أبدوا رغبة في الموت.
- بحسب WHO وUNOCHA:
- 54% من الأطفال يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD).
- 41% يعانون من الاكتئاب.
- 34% يعانون من القلق الإكلينيكي.
- أبرز الأعراض النفسية: التبول اللا إرادي، فقدان النطق أو التلعثم، فرط اليقظة، كوابيس متكررة، سلوك عدواني، التصاق مفرط بالكبار.
4. الانفصال عن الأسرة وفقدان الأهل
- وفق تقديرات اليونيسف:
- نحو 17,000 طفل منفصلون عن ذويهم أو غير مصحوبين.
- تشير تقديرات أخرى إلى وجود أكثر من 19,000 يتيم.
- يعاني هؤلاء من خطر الاستغلال، الإهمال، والحرمان من الغذاء والرعاية، إلى جانب التبعات النفسية العميقة.
5. أثر القصف الليلي والتشريد
- متوسط عدد مرات التشريد لكل طفل بلغ أكثر من 10 مرات خلال عام واحد.
- الأطفال يعانون من رهاب الأصوات العالية، رغبة في الاختباء، فقدان الشعور بالأمان.
- انعدام مراكز الدعم النفسي، وانهيار المستشفيات زاد من تفاقم الأزمة.
6. سوء التغذية وانهيار الرعاية الصحية
- من يناير إلى مايو 2025، تم علاج 16,736 طفلًا من سوء التغذية.
- في مايو فقط: 5,119 طفلًا تلقوا علاجًا، منهم 636 في حالة خطرة.
- يمثل ذلك زيادة بنسبة 50% عن أبريل و150% عن فبراير (خلال فترة التهدئة).
- نحو 580 رضيعًا مهددون بالموت بسبب نقص الحليب الصناعي والمكملات.
7. تدمير البيئة الآمنة للأطفال
أ) المنشآت التعليمية:
- 95% من مدارس غزة دُمّرت كليًا أو جزئيًا.
- تم توثيق ما لا يقل عن 200 هجوم مباشر على المدارس، منها 53 مدرسة دُمّرت بالكامل.
- أكثر من 1,200 مدرسة خرجت عن الخدمة.
- قرابة 625,000 طفل حُرموا من التعليم المنتظم.
ب) المؤسسات الترفيهية والمجتمعية:
- معظم الحدائق والمراكز المجتمعية إمّا دُمّرت أو تحولت لملاجئ غير آمنة.
- انعدام أماكن اللعب والتنشئة، ما عمّق العزلة النفسية والاجتماعية.
ج) فقدان المنازل:
- تضرر أو دمار 92% من منازل غزة.
- نزح 1.9 مليون شخص، نصفهم من الأطفال.
8. شهادات وأمثلة موثقة
- مدرسة الفهمي الجرجاوي: استشهد فيها 18 طفلًا في قصف مباشر في مايو 2025.
- إحدى المستشفيات الكبرى توقفت عن العمل منذ فبراير 2025، ما أدى إلى وفاة عشرات الأطفال بسبب غياب الحضّانات.
9. خلاصة تحليلية
تكشف هذه الورقة عن واحدة من أكثر المآسي الإنسانية قسوة في العصر الحديث، إذ تعرّض الأطفال في غزة لحرب شاملة استهدفت وجودهم وأبسط حقوقهم في الحياة والنمو. تجاوز عدد الأطفال الشهداء حاجز 17,000، فيما أصيب عشرات الآلاف بجراح، واختفى الآلاف تحت الأنقاض، في ظل عجز دولي صادم عن وقف نزيف الدماء.
تُظهر البيانات أن نصف أطفال غزة تقريبًا يعانون من اضطرابات نفسية شديدة، ويواجهون خطر الفقد، والنزوح المتكرر، والجوع، والحرمان من التعليم. لم تقتصر الحرب على القصف، بل طالت البيئة الآمنة للأطفال، من منازل ومدارس ومستشفيات وحدائق، لتجردهم من كل مقومات الطفولة والأمان.
إن أطفال غزة لا يعيشون فقط تحت الحرب، بل يعيشون داخلها وبها، دون أفق أو حماية، ويمثل استمرار هذه الكارثة تحديًا صارخًا لكل القيم الإنسانية والقانونية، ويضع العالم أمام مسؤولية أخلاقية وتاريخية لإنقاذ جيل يواجه خطر الفناء المادي والنفسي الكامل.
- أكثر من 33,000 جريح، معظمهم دون 14 عامًا.
- نصف أطفال غزة على الأقل يعانون من اضطرابات نفسية خطيرة.
- البيئة المحيطة دُمرت بالكامل: لا تعليم، لا علاج، لا مساحات آمنة.
- قطاع الطفولة في غزة يعيش كارثة مركبة: قتل، مرض، نزوح، رعب.
10. التوصيات
استنادًا إلى حجم الكارثة الإنسانية التي طالت أطفال غزة، توصي هذه الورقة بسلسلة إجراءات عاجلة على الصعيدين المحلي والدولي:
- تأمين ممرات إنسانية دائمة وآمنة تحت رقابة أممية، لضمان وصول الغذاء والدواء وحليب الأطفال والمستلزمات الصحية، خصوصًا للمناطق المعزولة والواقعة تحت الحصار المباشر.
- إطلاق خطة طوارئ متكاملة لدعم الصحة النفسية للأطفال، تشمل:
- إنشاء وحدات دعم نفسي متنقلة.
- تأهيل كوادر محلية متخصصة في علاج اضطرابات ما بعد الصدمة.
- إشراك المدارس والمراكز المجتمعية في تقديم برامج دعم جماعي موجهة للأطفال.
- إعادة تأهيل البنية التعليمية بشكل فوري ومرحلي:
- إنشاء مدارس مؤقتة في مناطق النزوح.
- تفعيل برامج التعليم عن بُعد المدعومة بالكهرباء والإنترنت عبر الطاقة الشمسية.
- توفير مستلزمات دراسية عاجلة لنصف مليون طفل على الأقل.
- توفير نظام حماية خاص للأطفال المنفصلين عن أسرهم أو الأيتام:
- إنشاء قاعدة بيانات لتسجيل وتتبع الأطفال غير المصحوبين.
- تقديم خدمات الرعاية المؤقتة والأسر البديلة تحت إشراف منظمات دولية ومحلية.
- إطلاق حملة دولية عاجلة للمساءلة والمقاطعة:
- الضغط على المجتمع الدولي للتحقيق في الانتهاكات الإسرائيلية الجسيمة بحق الأطفال.
- فرض عقوبات على المسؤولين عن استهداف المدارس والمستشفيات وارتكاب مجازر بحق المواطنين.
- تخصيص دعم مالي وتقني من الجهات المانحة والمنظمات الأممية:
- لتغطية نفقات العلاج والتأهيل النفسي والتعليم البديل.
- وتوفير برامج طويلة الأمد لإعادة إدماج الأطفال في الحياة المجتمعية.
- تفعيل دور الجاليات الفلسطينية والمنظمات الحقوقية في الخارج:
- لتسليط الضوء على معاناة أطفال غزة.
- وتحفيز حملات تضامن ورفع قضايا أمام المحاكم الدولية.